بسم الله الرحمن الرحيم
القلوب إذا شغلت بالبدع أعرضت عن السنن و لا بد
فاعلم أن القلوب إذا أشغلت بالبدع أعرضت عن السنن ، فتجد أكثر هؤلاء العاكفين على القبور معرضين عن طريقة من فيها و هديه و سنته ، مشتغلين بقبره عما أمر به و دعا إليه ، و تعظيم الأنبياء و الصالحين و محبتهم إنما هي بإتباع ما دعوا إليه من العلم النافع و العمل الصالح و اقتفاء آثارهم و سلوك طريقتهم ، دون عبادة قبورهم ، و العكوف عليها و اتخاذها أعياداً .
فإن من اقتفى آثارهم كان متسببا إلى تكثير أجورهم بإتباعه لهم و دعوته الناس إلى إتباعهم ، فإذا أعرض عما دعوا إليه و اشتغل بضده حرم نفسه و حرهم ذلك الأجر ، فأي تعظيم لهم و احترام في هذا ؟
و إنما اشتغل كثير من الناس بأنواع العبادات المبتدعة التي يكرهها الله و رسوله لإعراضهم عن المشروع أو بعضه ، و إن قاموا بصورته الظاهرة فقد هجروا حقيقته المقصودة منه ، و إلا فمن أقبل على الصلوات الخمس بوجهه و قلبه ، عرفاً بما اشتملت عليه من الكلم الطيب و العمل الصالح ، مهتما بها كل الاهتمام ، أغنته عن الشرك ، و كل من قصّر فيها أو في بعضها تجد فيه من الشرك بحسب ذلك .
و من أصغى إلى كلام الله بقلبه و تدبره و تفهمه ، أغناه عن السماع الشيطاني الذي يصد عن ذكر الله و عن الصلاة ، و ينبت النفاق في القلب ، و كذلك من أصغى إليه و إلى حديث الرسول –صلى الله عليه و آله و سلم- بكليته ، و حدّث نفسه باقتباس الهدى و العلم منه ، لا من غيره أغناه عن البدع و الآراء و التخرصات و الشطحاء و الخيالات ، التي هي وساوس النفوس و تخيلاتها .
و من بعد عن ذلك فلا بد له أن يتعوّض عنه بما لا ينفعه ، كما أن من غمر قلبه بمحبة الله تعالى و ذكره ، و خشيته ، و التوكل عليه و الإنابة إليه ، أغناه ذلك عن محبة غيره و خشيته و التوكل عليه ، و أغناه أيضاً عن عشق الصور . و إذا خلا من ذلك صار عبد هواه ، أي شيء استحسنه ملكه و استعبده .
فالمعرض عن التوحيد مشرك ، شاء أم أبى ، و المعرض عن السنة مبتدع ضال ، شاء أم أبى ، و المعرض عن محبة الله و ذكره عبد الصّور ، شاء أم أبى ، و الله المستعان ، و عليه التكلان ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
( إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان / لابن القيم : 241 ، 242 )